فصل: تفسير الآية رقم (120)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


سورة هود

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الر‏}‏ الله أعلم بمراده بذلك، هذا ‏{‏كتاب أُحْكِمَتْ ءاياته‏}‏ بعجيب النظم وبديع المعاني ‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏ بُيِّنت بالأحكام والقصص والمواعظ ‏{‏مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏ أي الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏أن‏}‏ ن أي بأن ‏{‏لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ‏}‏ بالعذاب إن كفرتم ‏{‏وَبَشِيرٌ‏}‏ بالثواب إن آمنتم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ‏}‏ من الشرك ‏{‏ثُمَّ تُوبُواْ‏}‏ ارجعوا ‏{‏إِلَيْهِ‏}‏ بالطاعة ‏{‏يُمَتِّعْكُمْ‏}‏ في الدنيا ‏{‏متاعا حَسَنًا‏}‏ بطيب عيش وسعة رزق ‏{‏إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى‏}‏ هو الموت ‏{‏وَيُؤْتِ‏}‏ في الآخرة ‏{‏كُلَّ ذِي فَضْلٍ‏}‏ في العمل ‏{‏فَضْلَه‏}‏ جزاءه ‏{‏وَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ فيه حذف إحدى التاءين أي تُعرضوا ‏{‏فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏ هو يوم القيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏ ومنه الثواب والعذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏5‏)‏‏}‏

ونزل كما رواه البخاري عن ابن عباس فيمن كان يستحي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء، وقيل في المنافقين ‏{‏أَلآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ‏}‏ أي الله ‏{‏أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏ يتغطون بها ‏{‏يَعْلَمُ‏}‏ تعالى ‏{‏مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ فلا يُغني استخفاؤهم ‏{‏إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور‏}‏ أي بما في القلوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا مِنْ‏}‏ زائدة ‏{‏دَآبَّةٍ فِي الأرض‏}‏ هي ما دَبَّ عليها ‏{‏إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا‏}‏ تكفل به فضلاً منه تعالى ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا‏}‏ مسكنها في الدنيا أو الصلب ‏{‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏ بعد الموت أو في الرحم ‏{‏كُلٌّ‏}‏ مما ذكر ‏{‏فِى كتاب مُّبِينٍ‏}‏ بيِّن هو اللوح المحفوظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ أولها الأحد وآخرها الجمعة ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ‏}‏ قبل خلقهما ‏{‏عَلَى المآء‏}‏ وهو على متن الريح ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ‏}‏ متعلق ب «خلق» أي خلقهما وما فيهما منافع لكم ومصالح ليختبركم ‏{‏أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً‏}‏ أي أطوع لله ‏{‏وَلَئِن قُلْتَ‏}‏ يا محمد لهم ‏{‏إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ‏}‏ ما ‏{‏هاذآ‏}‏ القرآن الناطق بالبعث والذي تقوله ‏{‏إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ‏}‏ بيِّن، وفي قراءة «ساحر» والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى‏}‏ مجيء ‏{‏أُمَّةٍ‏}‏ أوقات ‏{‏مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ‏}‏ استهزاء ‏{‏مَا يَحْبِسُهُ‏}‏ ما يمنعه من النزول‏؟‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً‏}‏ مدفوعاً ‏{‏عَنْهُمْ وَحَاقَ‏}‏ نزل ‏{‏بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ‏}‏ من العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان‏}‏ الكافر ‏{‏مِنَّا رَحْمَةً‏}‏ غِنىً وصحة ‏{‏ثُمَّ نزعناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ‏}‏ قنوط من رحمة الله ‏{‏كَفُورٌ‏}‏ شديد الكفر به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِنْ أذقناه نَعْمآءَ بَعْدَ ضَرّآءَ‏}‏ فقر وشدّة ‏{‏مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات‏}‏ المصائب ‏{‏عَنِّي‏}‏ ولم يتوقع زوالها ولا شكر عليها ‏{‏إِنَّهُ لَفَرِحٌ‏}‏ بَطِر ‏{‏فَخُورٌ‏}‏ على الناس بما أُوتي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏الذين صَبَرُواْ‏}‏ على الضرّاء ‏{‏وَعَمِلُواْ الصالحات‏}‏ في النعماء ‏{‏أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَعَلَّكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ‏}‏ فلا تبلغهم إياه لتهاونهم به ‏{‏وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ‏}‏ بتلاوته عليهم لأجل ‏{‏أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ‏}‏ هلا ‏{‏أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ‏}‏ يصدقه كما اقترحنا ‏{‏إِنَّمآ أَنتَ نَذِيرٌ‏}‏ فلا عليك إلا البلاغ لا الإِتيان بما اقترحوه ‏{‏والله على كُلِّ شَئ وَكِيلٌ‏}‏ حفيظ فيجازيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ‏}‏ بل أ ‏{‏يَقُولُونَ افتراه‏}‏ أي القرآن‏؟‏ ‏{‏قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ‏}‏ في الفصاحة والبلاغة ‏{‏مفتريات‏}‏ فإنكم عربيون فصحاء مثلي، تحدّاهم بها أوّلاً ثم بسورة ‏{‏وادعوا‏}‏ للمعاونة على ذلك ‏{‏مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏ في أنه افتراء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏فَإ‏}‏ ن ‏{‏لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ‏}‏ أي من دعوتموهم للمعاونة ‏{‏فاعلموا‏}‏ خطاب للمشركين ‏{‏أَنَّمَآ أُنزِلَ‏}‏ متلبساً ‏{‏بِعِلْمِ الله‏}‏ وليس افتراء عليه ‏{‏وَأَنْ‏}‏ مخففة أي أنه ‏{‏لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ‏}‏ بعد هذه الحجة القاطعة‏؟‏ أي أسلموا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا‏}‏ بأن أصَرَّ على الشرك، وقيل‏:‏ هي في المرائين ‏{‏نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أعمالهم‏}‏ أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ‏{‏فِيهَا‏}‏ بأن نوسِّع عليهم رزقهم ‏{‏وَهُمْ فِيهَا‏}‏ أي الدنيا ‏{‏لاَ يُبْخَسُونَ‏}‏ ينقصون شيئاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِى الأخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ‏}‏ بطل ‏{‏مَا صَنَعُواْ فِيهَا‏}‏ أي الآخرة فلا ثواب له ‏{‏وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ‏}‏ بيان ‏{‏مِّن رَّبِّهِ‏}‏ وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن ‏{‏وَيَتْلُوهُ‏}‏ يتبعه ‏{‏شَاهِدٌ‏}‏ له بصدقه ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أي من الله وهو جبريل ‏{‏وَمِن قَبْلِهِ‏}‏ أي القرآن ‏{‏كتاب موسى‏}‏ التوراة شاهد له أيضاً ‏{‏إَمَامًا وَرَحْمَةً‏}‏‏؟‏ حال، كمن ليس كذلك‏؟‏ لا ‏{‏أولئك‏}‏ أي من كان على بينة ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ أي بالقرآن فلهم الجنة ‏{‏وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب‏}‏ جميع الكفار ‏{‏فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ‏}‏ شك ‏{‏مِنْهُ‏}‏ من القرآن ‏{‏إِنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏لاَ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً‏}‏ بنسبة الشريك والولد إليه ‏{‏أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ‏}‏ يوم القيامة في جملة الخلق ‏{‏وَيَقُولُ الأشهاد‏}‏ جمع ‏(‏شاهد‏)‏ وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب ‏{‏هؤلاءآء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين‏}‏ المشركين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله‏}‏ دين الإِسلام ‏{‏وَيَبْغُونَهَا‏}‏ يطلبون السبيل ‏{‏عِوَجَاً‏}‏ معوّجة ‏{‏وَهُمْ بالأخرة هُمْ‏}‏ تأكيد ‏{‏كافرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ‏}‏ الله ‏{‏فِى الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏مِنْ أَوْلِيآءَ‏}‏ أنصار يمنعونهم من عذابه ‏{‏يضاعف لَهُمُ العذاب‏}‏ بإضلالهم غيرهم ‏{‏مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع‏}‏ للحق ‏{‏ومَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏ ه أي لفرط كراهتهم له، كأنهم لم يستطيعوا ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ‏}‏ لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم ‏{‏وَضَلَّ‏}‏ غاب ‏{‏عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ على الله من دعوى الشريك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ جَرَمَ‏}‏ حقاً ‏{‏أَنَّهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَخْبَتُواْ‏}‏ سكنوا واطمأنوا أو أنابوا ‏{‏إلى رَبّهِمْ أولئك أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَلُ‏}‏ صفة ‏{‏الفريقين‏}‏ الكفار والمؤمنين ‏{‏كالأعمى والأصم‏}‏ هذا مثل الكافر ‏{‏والبصير والسميع‏}‏ هذا مثل المؤمن ‏{‏هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً‏}‏‏؟‏ لا ‏{‏أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ‏}‏ فيه إدغام التاء في الأصل في الذال‏:‏ تتعظون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ إِنَّى‏}‏ أي بأني، وفي قراءة بالكسر على حذف القول ‏{‏لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ‏}‏ بيِّن الإِنذار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏أَن‏}‏ أي بأن ‏{‏لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ‏}‏ إن عبدتم غيره ‏{‏عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ‏}‏ مؤلم في الدنيا والآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ‏}‏ وهم الأشراف ‏{‏مَا نراك إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا‏}‏ ولا فضل لك علينا ‏{‏وَمَا نراك اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا‏}‏ أسافلنا كالحاكة والأساكفة ‏{‏بَادِىَ الرأى‏}‏ بالهمز وتركه‏:‏ أي ابتداء من غير تفكّر فيك ونصبه على الظرف‏:‏ أي وقت حدوث أوّل رأيهم ‏{‏وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ‏}‏ تستحقون به الاتباع منا ‏{‏بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين‏}‏ في دعوى الرسالة أدرجوا قومه معه في الخطاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ ياقوم أَرَءَيْتُمْ‏}‏ أخبروني ‏{‏إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ‏}‏ بيان ‏{‏مِّن رَّبِّى وءاتانى رَحْمَةً‏}‏ نبوّة ‏{‏مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ‏}‏ خفيت ‏{‏عَلَيْكُمْ‏}‏ وفي قراءة بتشديد الميم والبناء للمفعول ‏{‏أَنُلْزِمُكُمُوهَا‏}‏ أنجبركم على قبولها ‏{‏وَأَنتُمْ لَهَا كارهون‏}‏ لا نقدر على ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ على تبليغ الرسالة ‏{‏مَالاً‏}‏ تعطونيه ‏{‏إِن‏}‏ ما ‏{‏أَجْرِىَ‏}‏ ثوابي ‏{‏إِلاَّ عَلَى الله وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين ءَامَنُواْ‏}‏ كما أمرتموني ‏{‏إِنَّهُمْ ملاقو رَبّهِمْ‏}‏ بالبعث فيجازيهم ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم ‏{‏ولكنى أراكم قَوْمًا تَجْهَلُونَ‏}‏ عاقبة أمركم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم مَن يَنصُرُنِى‏}‏ يمنعني ‏{‏مِنَ الله‏}‏ أي عذابه ‏{‏إِن طَرَدتُّهُمْ‏}‏ أي لا ناصر لي ‏{‏أَفلاَ‏}‏ فهلا ‏{‏تَذَكَّرُونَ‏}‏ بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال‏:‏ تتعظون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏وَلآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ الله وَلآ‏}‏ أني ‏{‏أَعْلَمُ الغيب وَلآ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ‏}‏ بل أنا بشر مثلكم ‏{‏وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى‏}‏ تحتقر ‏{‏أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْرًا الله أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ قلوبهم ‏{‏إِنِّى إِذاً‏}‏ إن قلت ذلك ‏{‏لَّمِنَ الظالمين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ يانوح قَدْ جادلتنا‏}‏ خاصمتنا ‏{‏فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا‏}‏ به من العذاب ‏{‏إِن كُنتَ مِنَ الصادقين‏}‏ فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَآءَ‏}‏ تعجيله لكم فإن أمره إليه لا إليَّ ‏{‏وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ‏}‏ بفائتين الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ‏}‏ أي إغواءكم وجواب الشرط دل عليه و‏(‏لاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى‏)‏ ‏{‏هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

قال تعالى ‏{‏أَمْ‏}‏ بل أ ‏{‏يَقُولُونَ‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏افتراه‏}‏ اختلق محمد القرآن ‏{‏قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَىَّ إِجْرَامِى‏}‏ إثمي، أي عقوبته ‏{‏وَأَنَاْ بَرِئ مِّمَّا تُجْرِمُونَ‏}‏ من إجرامكم في نسبة الافتراء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ‏}‏ تحزن ‏{‏بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ‏}‏ من الشرك، فدعا عليهم بقوله ‏{‏رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الارض‏}‏ ‏[‏26‏:‏ 71‏]‏ فأجاب الله تعالى دعاءه وقال‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏واصنع الفلك‏}‏ السفينة ‏{‏بِأَعْيُنِنَا‏}‏ بمرأى منا وحفظنا ‏{‏وَوَحْيِنَا‏}‏ أمرنا ‏{‏وَلاَ تخاطبنى فِى الذين ظَلَمُواْ‏}‏ كفروا بترك إهلاكهم ‏{‏إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَصْنَعُ الفلك‏}‏ حكاية حال ماضية ‏{‏وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ‏}‏ جماعة ‏{‏مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ‏}‏ استهزأوا به ‏{‏قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ‏}‏ إذا نجونا وغرقتم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن‏}‏ موصولة مفعول العِلْم ‏{‏يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ‏}‏ ينزل ‏{‏عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ‏}‏ دائم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏حتى‏}‏ غاية للصنع ‏{‏إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا‏}‏ بإِهلاكهم ‏{‏وَفَارَ التنور‏}‏ للخباز بالماء،- وكان ذلك علامة لنوح- ‏{‏قُلْنَا احمل فِيهَا‏}‏ في السفينة ‏{‏مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ‏}‏ أي ذكر وأنثى‏:‏ أي من كل أنواعهما ‏{‏اثنين‏}‏ ذكراً وأنثى وهو مفعول، وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرهما، فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة ‏{‏وَأَهْلَكَ‏}‏ أي زوجته وأولاده ‏{‏إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول‏}‏ أي منهم بالإِهلاك وهو زوجته وولده ‏(‏كنعان‏)‏ بخلاف ‏(‏سام‏)‏ و‏(‏حام‏)‏ و‏(‏يافث‏)‏ فحملهم وزوجاتهم الثلاثة ‏{‏وَمَنْ ءَامَنَ وَمَآ ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ‏}‏ قيل كانوا ستة رجال ونساءهم، وقيل جميع من كان في السفينة ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ‏}‏ نوح ‏{‏اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مجراها ومرساها‏}‏ بفتح الميمين وضمهما مصدران أي جريها ورسوّها أي منتهى سيرها ‏{‏إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ حيث لم يهلكنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كالجبال‏}‏ في الارتفاع والعظم ‏{‏ونادى نُوحٌ ابنه‏}‏ كنعان ‏{‏وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ‏}‏ عن السفينة ‏{‏يابنى اركب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ سَئَاوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى‏}‏ يمنعني ‏{‏مِنَ المآء قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله‏}‏ عذابهِ ‏{‏إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏مَن رَّحِمَ‏}‏ الله فهو المعصوم‏.‏ قال تعالى ‏{‏وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏وَقِيلَ ياأرض ابلعى مَآءَكِ‏}‏ الذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء فصار أنهاراً وبحاراً ‏{‏وياسمآء أَقْلِعِى‏}‏ أمسكي عن المطر فأمسكت ‏{‏وَغِيضَ‏}‏ نقص ‏{‏المآء وَقُضِىَ الأمر‏}‏ تَمَّ أمر هلاك قوم نوح ‏{‏واستوت‏}‏ وقفت السفينة ‏{‏عَلَى الجودى‏}‏ جبل بالجزيرة بقرب ‏(‏الموصل‏)‏ ‏{‏وَقِيلَ بُعْدًا‏}‏ هلاكاً ‏{‏لِّلْقَوْمِ الظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنى‏}‏ كنعان ‏{‏مِّنْ أَهْلِى‏}‏ وقد وعدتني بنجاتهم ‏{‏وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق‏}‏ الذي لا خلف فيه ‏{‏وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين‏}‏ أعلمهم وأعدلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ‏}‏ تعالى ‏{‏يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏ الناجين أو من أهل دينك ‏{‏إِنَّهُ‏}‏ أي سؤالك إِياي بنجاته ‏{‏عَمَلٌ غَيْرُ صالح‏}‏ فإِنه كافر ولا نجاة للكافرين، وفي قراءة بكسر ميم «عَمِل» فعل، ونصب «غَيْر» فالضمير لابنه ‏{‏فَلاَ تَسئَلْنِ‏}‏ بالتشديد والتخفيف ‏{‏مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ من إنجاء ابنك ‏{‏إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين‏}‏ بسؤالك ما لم تعلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ‏}‏ من ‏{‏أَنْ أَسْئلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى‏}‏ ما فرط مني ‏{‏وَتَرْحَمْنِى أَكُن مِّنَ الخاسرين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏قِيلَ يانوح اهبط‏}‏ انزل من السفينة ‏{‏بسلام‏}‏ بسلامة أو بتحية ‏{‏مِّنَّا وبركات‏}‏ خيرات ‏{‏عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ‏}‏ في السفينة أي من أولادهم وذرّيتهم وهم المؤمنون ‏{‏وَأُمَمٌ‏}‏ بالرفع ممن معك ‏{‏سَنُمَتِّعُهُمْ‏}‏ في الدنيا ‏{‏ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ في الآخرة وهم الكفار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ‏}‏ أي هذه الآيات المتضمنة قصة نوح ‏{‏مِنْ أَنبَآءِ الغيب‏}‏ أخبار ما غاب عنك ‏{‏نُوحِيهَآ إِلَيْكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏مَا كُنتَ تَعْلَمُهآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا‏}‏ القرآن ‏{‏فاصبر‏}‏ على التبليغ وأذى قومك كما صبر نوح ‏{‏إِنَّ العاقبة‏}‏ المحمودة ‏{‏لِّلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏و‏}‏ أرسلنا ‏{‏إلى عَادٍ أَخَاهُمْ‏}‏ من القبيلة ‏{‏هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله‏}‏ وحِّدوهُ ‏{‏مَا لَكُم مِّنْ‏}‏ زائدة ‏{‏إله غَيْرُهُ إِنْ‏}‏ ما ‏{‏أَنتُمْ‏}‏ في عبادتكم الأوثان ‏{‏إِلاَّ مُفْتَرُونَ‏}‏ كاذبون على الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏ياقوم لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ على التوحيد ‏{‏أَجْرًا إِنْ‏}‏ ما ‏{‏أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى‏}‏ خلقني ‏{‏أَفَلاَ تَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ‏}‏ من الشرك ‏{‏ثُمَّ تُوبُواْ‏}‏ ارجعوا ‏{‏إِلَيْهِ‏}‏ بالطاعة ‏{‏يُرْسِلِ السمآء‏}‏ المطر- وكانوا قد مُنعوه- ‏{‏عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً‏}‏ كثير الدُّرور ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى‏}‏ مع ‏{‏قُوَّتِكُمْ‏}‏‏.‏ بالمال والولد ‏{‏وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ‏}‏ مشركين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ‏}‏ برهان على قولك ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ‏}‏ أي لقولك ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏إن‏}‏ ما ‏{‏نَّقُولُ‏}‏ في شأنك ‏{‏إِلاَّ اعتراك‏}‏ أصابك ‏{‏بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوءٍ‏}‏ فخبلك لسَبِّك إياها فأنت تهذي ‏{‏قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ الله‏}‏ عليّ ‏{‏واشهدوا أَنِّى بَرِئ مِّمَّا تُشْرِكُونَ‏}‏ ه به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏مِن دُونِهِ فَكِيدُونِى‏}‏ احتالوا في هلاكي ‏{‏جَمِيعاً‏}‏ أنتم وأوثانكم ‏{‏ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ‏}‏ تمهلون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَّا مِن‏}‏ زائدة ‏{‏دَآبَّةٍ‏}‏ نسمة تدب على الأرض ‏{‏إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله‏}‏ أي مالكها وقاهرها فلا نفع ولا ضرر إلا بإِذنه، وخص ‏(‏الناصية‏)‏ بالذكر لأن من أُخذ بناصيته يكون في غاية الذل ‏{‏إِنَّ رَبِّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ أي طريق الحق والعدل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ فيه حذف إحدى التاءين، أي تعرضوا ‏{‏فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا‏}‏ بإِشراككم ‏{‏إِنَّ رَبِّى على كُلِّ شَئ حَفِيظٌ‏}‏ رقيب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا‏}‏ عذابنا ‏{‏نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ‏}‏ هداية ‏{‏مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَليِظٍ‏}‏ شديد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏وَتِلْكَ عَادٌ‏}‏ إِشارة إلى آثارهم، أي فسيحوا في الأرض وانظروا إليها، ثم وصف أحوالهم فقال ‏{‏جَحَدُواْ بئايات رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ‏}‏ جُمِعَ لأن من عصى رسولاً عصى جميع الرسل لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا به وهو التوحيد ‏{‏واتبعوا‏}‏ أي السفلة ‏{‏أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ‏}‏ معاند للحق من رؤسائهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏وَأُتْبِعُواْ فِى هذه الدنيا لَعْنَةً‏}‏ من الناس ‏{‏وَيَوْمَ القيامة‏}‏ لعنة على رؤوس الخلائق ‏{‏أَلآ إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ‏}‏ جحدوا ‏{‏رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا‏}‏ من رحمة الله ‏{‏لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ ارسلنا ‏{‏إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ‏}‏ من القبيلة ‏{‏صالحا قَالَ ياقوم اعبدوا الله‏}‏ وحِّدوه ‏{‏مَالَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ‏}‏ ابتدأ خلقكم ‏{‏مِّنَ الأرض‏}‏ بخلق أبيكم آدم منها ‏{‏واستعمركم فِيهَا‏}‏ جعلكم عماراً تسكنون بها ‏{‏فاستغفروه‏}‏ من الشرك ‏{‏ثُمَّ تُوبُواْ‏}‏ ارجعوا ‏{‏إِلَيْهِ‏}‏ بالطاعة ‏{‏إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ‏}‏ من خلقه بعلمه ‏{‏مُّجِيبٌ‏}‏ لمن سأله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً‏}‏ نرجو أن تكون سيداً ‏{‏قَبْلَ هذا‏}‏ الذي صدر منك ‏{‏أتنهانا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا‏}‏ من الأوثان ‏{‏وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ‏}‏ من التوحيد ‏{‏مُّرِيبٍ‏}‏ مُوقع في الريب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ ياقوم أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ‏}‏ بيان ‏{‏مِّن رَّبِّى وءاتانى مِنْهُ رَحْمَةً‏}‏ نبوَّة ‏{‏فَمَن يَنصُرُنِى‏}‏ يمنعني ‏{‏مِّنَ الله‏}‏ أي عذابه ‏{‏إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِى‏}‏ بأمركم لي بذلك ‏{‏غَيْرَ تَخْسِيرٍ‏}‏ تضليل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً‏}‏ حال عامله الإِشارة ‏{‏فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ‏}‏ عَقر ‏{‏فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ‏}‏ إِن عقرتموها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏فَعَقَرُوهَا‏}‏ عقرها قُدار بأمرهم ‏{‏فَقَالَ‏}‏ صالح ‏{‏تَمَتَّعُواْ‏}‏ عيشوا ‏{‏فِى دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ‏}‏ ثم تهلكون ‏{‏ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏}‏ فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا‏}‏ بإِهلاكهم ‏{‏نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ‏}‏ وهم أربعة آلاف ‏{‏بِرَحْمَةٍ مِّنَّا و‏}‏ نجيناهم ‏{‏مِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ‏}‏ بكسر الميم إعراباً، وفتحها بناء لإِضافته إلى مبني وهو الأكثر ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوى العزيز‏}‏ الغالب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة فَأَصْبَحُواْ فِى ديارهم جاثمين‏}‏ باركين على الركب مَيِّتين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏كَأن‏}‏ مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ‏{‏لَّمْ يَغْنَوْاْ‏}‏ يقيموا ‏{‏فِيهآ‏}‏ في دارهم ‏{‏أَلآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ‏}‏ بالصرف وتركه على معنى الحي والقبيلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ جآءَتْ رُسُلُنآ إبراهيم بالبشرى‏}‏ بإسحاق ويعقوب بعده ‏{‏قَالُواْ سلاما‏}‏ مصدر ‏{‏قَالَ سلام‏}‏ عليكم ‏{‏فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ‏}‏ مشوي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا رءَآ أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ‏}‏ بمعنى أنكرهم ‏{‏وَأَوْجَسَ‏}‏ أضمر في نفسه ‏{‏مِنْهُمْ خِيفَةً‏}‏ خوفاً ‏{‏قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمِ لُوطٍ‏}‏ لنهلكهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏وامرأته‏}‏ أي امرأة إِبراهيم ‏(‏سارة‏)‏ ‏{‏قَآئِمَةً‏}‏ تخدمهم ‏{‏فَضَحِكَتْ‏}‏ استبشاراً بهلاكهم ‏{‏فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرآءِ‏}‏ بعد ‏{‏إسحاق يَعْقُوبَ‏}‏ ولده تعيش إِلى أن تراه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَتْ ياويلتى‏}‏ كلمة تقال عند أمر عظيم، والألف مبدلة من ياء الإِضافة ‏{‏ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ‏}‏ لي تسع وتسعون سنة ‏{‏وهذا بَعْلِى شَيْخًا‏}‏ له مائة وعشرون سنة، ونصبه على الحال، والعامل فيه ما في «ذا» من الإِشارة ‏{‏إِنَّ هذا لَشَئ عَجِيبٌ‏}‏ أن يُولد ولدٌ لهرمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله‏}‏ قدرته ‏{‏رَحْمَتُ الله وبركاته عَلَيْكُمْ‏}‏ يا ‏{‏أَهْلَ البيت‏}‏ بيت إبراهيم ‏{‏إِنَّهُ حَمِيدٌ‏}‏ محمود ‏{‏مَّجِيدٌ‏}‏ كريم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع‏}‏ الخوف ‏{‏وَجَآءَتْهُ البشرى‏}‏ بالولد أخذ ‏{‏يجادلنا‏}‏ يجادل رسلنا ‏{‏فِى‏}‏ شأن ‏{‏قَوْمِ لُوطٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ‏}‏ كثير الأناة ‏{‏أواه مُّنِيبٌ‏}‏ رَجَّاع، فقال لهم‏:‏ أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن‏؟‏ قالوا لا قال‏:‏ أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن‏؟‏ قالوا لا قال‏:‏ أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمناً‏؟‏ قالوا لا قال‏:‏ أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمناً‏؟‏ قالوا لا، قال‏:‏ أفرأيتم إِن كان فيها مؤمن واحد‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطَاً قَالُوْا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا‏}‏ ‏[‏32‏:‏ 29‏]‏ الخ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ‏(‏76‏)‏‏}‏

فلما أطال مجادلتهم قالوا ‏{‏ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا‏}‏ الجدال ‏{‏إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ‏}‏ بهلاكهم ‏{‏وَإِنَّهُمْ ءَاتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا جآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِئ بِهِمْ‏}‏ حَزنَ بسببهم ‏{‏وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا‏}‏ صدراً لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومَهُ ‏{‏وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ‏}‏ شديد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏وَجَآءَهُ قَوْمُهُ‏}‏ لما علموا بهم ‏{‏يُهْرَعُونَ‏}‏ يُسرعون ‏{‏إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ‏}‏ قبل مجيئهم ‏{‏كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات‏}‏ وهي إِتيان الرجال في الأدبار ‏{‏قَالَ‏}‏ لوط ‏{‏ياقوم هؤلاءآء بَنَاتِى‏}‏ تزوَّجوهن ‏{‏هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ‏}‏ تفضحون ‏{‏فِى ضَيْفِى‏}‏ أضيافي ‏{‏أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ‏}‏ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ‏}‏ حاجة ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ‏}‏ من إِتيان الرجال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً‏}‏ طاقة ‏{‏أَوْ ءَاوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ‏}‏ عشيرة تنصرني لبطشت بكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ‏(‏81‏)‏‏}‏

فلما رأت الملائكة ذلك‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ‏}‏ بسوء ‏{‏فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ‏}‏ طائفة ‏{‏مِّنَ اليل وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ‏}‏ لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم ‏{‏إِلاَّ امرأتك‏}‏ بالرفع بدل من «أحد» وفي قراءة بالنصب استثناء من الأهل‏:‏ أي فلا تسر بها ‏{‏إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ‏}‏ فقيل‏:‏ لم يخرج بها وقيل‏:‏ خرجت والتفتت فقالت‏:‏ واقوماه، فجاءها حجر فقتلها وسألهم عن وقت هلاكهم فقالوا ‏{‏إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح‏}‏ فقال‏:‏ أُريد أَعْجَل من ذلك، قالوا ‏{‏أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا‏}‏ بإِهلاكهم ‏{‏جَعَلْنَا عاليها‏}‏ أي قُراهم ‏{‏سَافِلَهَا‏}‏ أي بأن رفعها جبريل إِلى السماء وأسقطها مقلوبة إِلى الأرض ‏{‏وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ‏}‏ طين طبخ بالنار ‏{‏مَّنْضُودٍ‏}‏ متتابع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏مُّسَوَّمَةً‏}‏ معلمة عليها اسم من يُرْمى بها ‏{‏عِندَ رَبِّكَ‏}‏ ظرف لها ‏{‏وَمَا هِىَ‏}‏ الحجارة أو بلادهم ‏{‏مِنَ الظالمين‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏بِبَعِيدٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ أرسلنا ‏{‏إلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ ياقوم اعبدوا الله‏}‏ وحِّدوه ‏{‏مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إِنِّى أراكم بِخَيْرٍ‏}‏ نعمة تغنيكم عن التطفيف ‏{‏وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ‏}‏ إِن لم تؤمنوا ‏{‏عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ‏}‏ بكم يهلككم، وصف اليوم به مجازٌ لوقوعه فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم أَوْفُواْ المكيال والميزان‏}‏ أتموهما ‏{‏بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ‏}‏ لا تنقصوهم من حقهم شيئاً ‏{‏وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ‏}‏ بالقتل وغيره من «عثي» بكسر المثلثة‏:‏ أفسد، ومفسدين‏:‏ حال مؤكدة لمعنى عاملها «تعثوا»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏بَقِيَّتُ الله‏}‏ رزقه الباقي لكم بعد إِيفاء الكيل والوزن ‏{‏خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ من البخس ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ‏}‏ رقيب أجازيكم بأعمالكم، إِنما بعثت نذيراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ‏}‏ له استهزاء ‏{‏ياشعيب أصلواتك تَأْمُرُكَ‏}‏ بتكليف ‏{‏أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَآؤُنآ‏}‏ من الأصنام ‏{‏أَوْ‏}‏ نترك ‏{‏أَن نَّفْعَلَ فِي أموالنا مَا نشاؤا‏}‏ المعنى‏:‏ هذا أمر باطل لا يدعو إليه داع بخير ‏{‏إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد‏}‏ قالوا ذلك استهزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ ياقوم أَرَءيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً‏}‏ حلالاً‏؟‏ أفأشوبه بالحرام من البخس والتطفيف‏؟‏ ‏{‏وَمآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ‏}‏ وأذهب ‏{‏إلى مَآ أنهاكم عَنْهُ‏}‏ فأرتكبه ‏{‏إن‏}‏ ما ‏{‏أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح‏}‏ لكم بالعدل ‏{‏مَا استطعت وَمَا تَوْفِيقِى‏}‏ قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات ‏{‏إِلاَّ بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ‏}‏ أرجع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ‏}‏ يكسبنكم ‏{‏شِقَاقِى‏}‏ خلافي فاعل ‏(‏يَجرم‏)‏، والضمير مفعول أول، والثاني ‏{‏أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالح‏}‏ من العذاب ‏{‏وَمَا قَوْمُ لُوطٍ‏}‏ أي منازلهم أو زمن هلاكهم ‏{‏مِّنكُم بِبَعِيدٍ‏}‏ فاعتبروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى رَحِيمٌ‏}‏ بالمؤمنين ‏{‏وَدُودٌ‏}‏ محبٌّ لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ‏}‏ إِيذاناً بقلة المبالاة ‏{‏ياشعيب مَا نَفْقَهُ‏}‏ نفهم ‏{‏كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفًا‏}‏ ذليلاً ‏{‏وَلَوْلاَ رَهْطُكَ‏}‏ عشيرتك ‏{‏لرجمناك‏}‏ بالحجارة ‏{‏وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ‏}‏ كريم عن الرجم، وإِنما رهطك هم الأعزة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ ياقوم أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله‏}‏ فتتركوا قتلي لأجلهم ولا تحفظوني لله ‏{‏واتخذتموه‏}‏ أي الله ‏{‏وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً‏}‏ منبوذاً خلف ظهوركم لا تراقبونه‏؟‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ‏}‏ علماً فيجازيكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ‏}‏ حالتكم ‏{‏إِنِّى عامل‏}‏ على حالتي ‏{‏سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن‏}‏ موصولة مفعول العلم ‏{‏يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وارتقبوا‏}‏ انتظروا عاقبة أمركم ‏{‏إِنِّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ‏}‏ منتظر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ‏(‏94‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا‏}‏ بإِهلاكهم ‏{‏نَجَّيْنَا شُعَيْبًا والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ‏}‏ صاح بهم جبريل ‏{‏فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جاثمين‏}‏ باركين على الركب ميتين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

‏{‏كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ‏(‏95‏)‏‏}‏

‏{‏كَأنَ‏}‏ مخففة‏:‏ أي كأنهم ‏{‏لَّمْ يَغْنَوْاْ‏}‏ يقيموا ‏{‏فِيهَآ أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا وسلطان مُّبِينٍ‏}‏ برهان بيِّن ظاهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ‏(‏97‏)‏‏}‏

‏{‏إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ‏}‏ سديد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏يَقْدُمُ‏}‏ يتقدّم ‏{‏قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة‏}‏ فيتبعونه كما اتبعوه في الدنيا ‏{‏فَأَوْرَدَهُمُ‏}‏ أدخلهم ‏{‏النار وَبِئْسَ الورد المورود‏}‏ هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏وَأُتْبِعُواْ فِى هذه‏}‏ أي الدنيا ‏{‏لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة‏}‏ لعنة ‏{‏بِئْسَ الرفد‏}‏ العون ‏{‏المرفود‏}‏ رفدهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ المذكور، مبتدأ خبره ‏{‏مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏مِنْهَا‏}‏ أي القرى ‏{‏قَآئِمٌ‏}‏ هلك أهله دونه ‏{‏وَ‏}‏ منها ‏{‏حَصِيدٌ‏}‏ هلك بأهله فلا أثر له كالزرع المحصود بالمناجل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا ظلمناهم‏}‏ بإهلاكهم بغير ذنب ‏{‏ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ‏}‏ بالشرك ‏{‏فَمَآ أَغْنَتْ‏}‏ دفعت ‏{‏عَنْهُمْ ءالِهَتُهُمُ التى يَدْعُونَ‏}‏ يعبدون ‏{‏مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏مِنْ‏}‏ زائدة ‏{‏شَئ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ‏}‏ عذابه ‏{‏وَمَا زَادُوهُمْ‏}‏ بعبادتهم لها ‏{‏غَيْرَ تَتْبِيبٍ‏}‏ تخسير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏وكذلك‏}‏ مثل الأخذ ‏{‏أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى‏}‏ أُريد أهلها ‏{‏وَهِىَ ظالمة‏}‏ بالذنوب‏:‏ أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء ‏{‏إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ‏}‏ روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِن الله ليملي للظالم حتى إِذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وكذلك أَخذ ربك‏}‏ الآية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ المذكور من القصص ‏{‏لأَيَةً‏}‏ لعبرة ‏{‏لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخرة ذلك‏}‏ أي يوم القيامة ‏{‏يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ‏}‏ فيه ‏{‏الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ‏}‏ يشهده جميع الخلائق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

‏{‏وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ‏(‏104‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ‏}‏ لوقت معلوم عند الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ‏(‏105‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ يَأْتِ‏}‏ ذلك اليوم ‏{‏لاَ تَكَلَّمُ‏}‏ فيه حذف إحدى التاءين ‏{‏نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏ تعالى ‏{‏فَمِنْهُمْ‏}‏ أي الخلق ‏{‏شَقِىٌّ‏}‏ منهم ‏{‏سَعِيدٌ‏}‏ كتب كلّ في الأزل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَمَّا الذين شَقُواْ‏}‏ في علمه تعالى ‏{‏فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ‏}‏ صوت شديد ‏{‏وَشَهِيقٌ‏}‏ صوت ضعيف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ‏(‏107‏)‏‏}‏

‏{‏خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض‏}‏ أي مدّة دوامهما في الدنيا ‏{‏إِلاَّ‏}‏ غير ‏{‏مَا شَآءَ رَبُّكَ‏}‏ من الزيادة على مدتهما مما لا منتهى له، والمعنى خالدين فيها أبداً ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ‏(‏108‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ‏}‏ بفتح السين وضمها ‏{‏فَفِى الجنة خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ‏}‏ غير ‏{‏مَا شَآءَ رَبُّكَ‏}‏ كما تقدّم، ودلّ عليه فيهم قوله ‏{‏عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ‏}‏ مقطوع وما تقدّم من التأويل هو الذي ظهر، وهو خال من التكلف، والله أعلم بمراده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

‏{‏فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ‏(‏109‏)‏‏}‏

‏{‏فَلاَ تَكُ‏}‏ يا محمد ‏{‏فِى مِرْيَةٍ‏}‏ شك ‏{‏مِّمَّا يَعْبُدُ هؤلاء‏}‏ من الأصنام إنا نعذبهم كما عذبنا من قبلهم، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ ءَابآؤهُم‏}‏ أي كعادتهم ‏{‏مِن قَبْلُ‏}‏ وقد عذبناهم ‏{‏وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ‏}‏ مثلهم ‏{‏نَصِيبَهُمْ‏}‏ حظهم من العذاب ‏{‏غَيْرَ مَنقُوصٍ‏}‏ أي تامّا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏110‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ‏(‏110‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب‏}‏ التوراة ‏{‏فاختلف فِيهِ‏}‏ بالتصديق والتكذيب كالقرآن ‏{‏وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ‏}‏ بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة ‏{‏لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ‏}‏ في الدنيا فيما اختلفوا فيه ‏{‏وَإِنَّهُمْ‏}‏ أي المكذبين به ‏{‏لَفِى شَكٍّ مّنْهُ مُرِيبٍ‏}‏ مُوقع في الرِّيبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏111‏]‏

‏{‏وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏111‏)‏‏}‏

‏{‏وإِن‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏كَلاَّ‏}‏ أي كل الخلائق ‏{‏لما‏}‏ «ما» زائدة، واللام موطئة لقَسَم مقدّر أو فارقة وفي قراءة بتشديد «لما» بمعنى «إِلا» ف «إن» نافية ‏{‏لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أعمالهم‏}‏ أي جزاءها ‏{‏إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ عالم ببواطنه كظواهره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏112‏]‏

‏{‏فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏112‏)‏‏}‏

‏{‏فاستقم‏}‏ على العمل بأمر ربك والدعاء إِليه ‏{‏كَمآ أُمِرْتَ وَ‏}‏ ليستقم ‏{‏مَن تَابَ‏}‏ آمن ‏{‏مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ‏}‏ تجاوزوا حدود الله ‏{‏إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏113‏]‏

‏{‏وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ‏(‏113‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَرْكَنُواْ‏}‏ تميلوا ‏{‏إِلَى الذين ظَلَمُواْ‏}‏ بمودّة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم ‏{‏فَتَمَسَّكُمُ‏}‏ تصيبكم ‏{‏النار وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏مِنْ‏}‏ زائدة ‏{‏أَوْلِيآءَ‏}‏ يحفظونكم منه ‏{‏ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ‏}‏ تمنعون من عذابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏114‏]‏

‏{‏وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ‏(‏114‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار‏}‏ الغداة والعشيّ‏:‏ أي الصبح والظهر والعصر ‏{‏وَزُلَفاً‏}‏ جمع زلفة‏.‏ أي طائفة ‏{‏مِّنَ اليل‏}‏ أي المغرب والعشاء ‏{‏إِنَّ الحسنات‏}‏ كالصلوات الخمس ‏{‏يُذْهِبْنَ السيئات‏}‏ الذنوب الصغائر، نزلت فيمن قَبَّل أجنبية، فأخبره صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألي هذا‏؟‏ فقال‏:‏ «لجميع أمتي كلهم»، رواه الشيخان ‏{‏ذلك ذكرى للذاكرين‏}‏ عظة للمتعظين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏115‏]‏

‏{‏وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏115‏)‏‏}‏

‏{‏واصبر‏}‏ يا محمد على أذى قومك أو على الصلاة ‏{‏فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين‏}‏ بالصبر على الطاعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏116‏]‏

‏{‏فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ‏(‏116‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَوْلاَ‏}‏ فهلا ‏{‏كَانَ مِنَ القرون‏}‏ الأمم الماضية ‏{‏مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ‏}‏ أصحاب دين وفضل ‏{‏يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِى الأرض‏}‏ المراد به النفي‏:‏ أي ما كان فيهم ذلك ‏{‏إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ‏}‏ نهوا فنجوا، و«من» للبيان ‏{‏واتبع الذين ظَلَمُواْ‏}‏ بالفساد وترك النهي ‏{‏مَآ أُتْرِفُواْ‏}‏ نعموا ‏{‏فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ‏}‏ منه لها ‏{‏وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ‏}‏ مؤمنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً‏}‏ أهل دين واحد ‏{‏وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏}‏ في الدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ‏}‏ أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه ‏{‏ولذلك خَلَقَهُمْ‏}‏ أي أهل الاختلاف له، وأهل الرحمة لها ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ‏}‏ وهي ‏{‏لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة‏}‏ الجِنّ ‏{‏والناس أَجْمَعِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

‏{‏وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏120‏)‏‏}‏

‏{‏وَكُلاًّ‏}‏ نُصِبَ «بنقصُّ» وتنوينه عوض عن المضاف إليه‏:‏ أي كلما يُحتاجُ إليه ‏{‏نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الرسل مَا‏}‏ بدل من ‏(‏كلاً‏)‏ ‏{‏نُثَبِّتُ‏}‏ نطمئن ‏{‏بِهِ فُؤَادَكَ‏}‏ قلبك ‏{‏وَجَآءَكَ فِى هذه‏}‏ الأنباء أو الآيات ‏{‏الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان بخلاف الكفار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

‏{‏وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ‏(‏121‏)‏‏}‏

‏{‏وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ‏}‏ حالتكم ‏{‏إِنَّا عاملون‏}‏ على حالتنا تهديد لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

‏{‏وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ‏(‏122‏)‏‏}‏

‏{‏وانتظروا‏}‏ عاقبة أمركم ‏{‏إِنَّا مُنتَظِرُونَ‏}‏ ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏123‏)‏‏}‏

‏{‏وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض‏}‏ أي علم ما غاب فيهما ‏{‏وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ‏}‏ بالبناء للفاعل‏:‏ يعود، وللمفعول ‏(‏يُرَدُّ‏)‏ ‏{‏الأمر كُلُّهُ‏}‏ فينتقم ممن عصى ‏{‏فاعبده‏}‏ وحِّده ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏}‏ ثق به فإنه كافيك ‏{‏وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ‏}‏ وإنما يؤخرهم لوقتهم‏.‏ وفي قراءة ‏(‏يعملون‏)‏ بالتحتانية‏.‏

سورة يوسف

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الر‏}‏ اللّهُ أعلم بمراده بذلك ‏{‏تِلْكَ‏}‏ هذه الآيات ‏{‏ءاياتالكتاب‏}‏ القرآن، والإضافة بمعنى ‏(‏مِنْ‏)‏ ‏{‏المبين‏}‏ المظهر للحق من الباطل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيّاً‏}‏ بلغة العرب ‏{‏لَعَلَّكُمْ‏}‏ يا أهل مكة ‏{‏تَعْقِلُونَ‏}‏ تفقهون معانيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ‏}‏ بإيحائنا ‏{‏إِلَيْكَ هَذَا القرءان وَإِن‏}‏ مخففة أي وإنه ‏{‏كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

اذكر ‏{‏إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَِبِيهِ‏}‏ يعقوب ‏{‏يَا أَبَتِ‏}‏ بالكسر دلالة على ياء الإضافة المحذوفة والفتح دلالة على ألف محذوفة قلبت عن الياء ‏{‏إِنِّى رَأَيْتُ‏}‏ في المنام ‏{‏أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ‏}‏ تأكيد ‏{‏لِى سَاجِدِينَ‏}‏ جمع بالياء والنون للوصف بالسجود الذي هو من صفات العقلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ يَا بُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا‏}‏ يحتالون في هلاكك حسداً لعلمهم بتأويلها من أنهم الكواكب والشمس أُمّك والقمر أبوك ‏{‏إِنَّ الشيطان للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ‏}‏ ظاهر العداوة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وكذلك‏}‏ كما رأيت ‏{‏يَجْتَبِيكَ‏}‏ يختارك ‏{‏رَبُّكَ وَيُعَلِمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث‏}‏ تعبير الرؤيا ‏{‏وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ‏}‏ بالنبوّة ‏{‏وعلى ءَالِ يَعْقُوبَ‏}‏ أولاده ‏{‏كَمَآ أَتَمَّهَا‏}‏ بالنبوّة ‏{‏على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إبراهيم وإسحاق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في صنعه بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ كَانَ فِى‏}‏ خبر ‏{‏يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ‏}‏ وهم أحد عشر ‏{‏ءايات‏}‏ عِبَر ‏{‏لِّلسّآئِلِينَ‏}‏ عن خبرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏8‏)‏‏}‏

اذكر ‏{‏إِذْ قَالُواْ‏}‏ أي بعض إخوة يوسف لبعضهم ‏{‏لِيُوسُفُ‏}‏ مبتدأ ‏{‏وَأَخُوهُ‏}‏ شقيقه ‏(‏بنيامين‏)‏ ‏{‏أُحَبُّ‏}‏ خبر ‏{‏إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ‏}‏ جماعة ‏{‏إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال‏}‏ خطإ ‏{‏مُّبِينٌ‏}‏ بين بإيثارهما علينا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا‏}‏ أي بأرض بعيدة ‏{‏يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ‏}‏ بأن يقبل عليكم ولا يلتفت لغيركم ‏{‏وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ‏}‏ أي بعد قتل يوسف أو طرحه ‏{‏قَوْمًا صالحين‏}‏ بأن تتوبوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ‏}‏ هو ‏(‏يهوذا‏)‏ ‏{‏لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ‏}‏ اطرحوه ‏{‏فِى غيابتالجب‏}‏ مظلم البئر، وفي قراءة ‏(‏غيابات‏)‏ بالجمع ‏{‏يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة‏}‏ المسافرين ‏{‏إِن كُنتُمْ فاعلين‏}‏ ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ يأَبَانَا مالك لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لناصحون‏}‏ لقائمون بمصالحه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً‏}‏ إلى الصحراء ‏{‏نَرْتَعْ ونَلْعَبْ‏}‏ بالنون والياء فيهمانَنشط ونَتسع ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لحافظون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ‏}‏ أي ذهابكم ‏{‏بِهِ‏}‏ لفراقه ‏{‏وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب‏}‏ المراد به الجنس وكانت أرضهم كثيرة الذئاب ‏{‏وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون‏}‏ مشغولون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ لَئِنْ‏}‏ لام قسم ‏{‏أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ‏}‏ جماعة ‏{‏إِنَّآ إِذَاً لخاسرون‏}‏ عاجزون، فأرسَلَه معهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ‏}‏ عزموا ‏{‏أَن يَجْعَلُوهُ فِى غيابت الجب‏}‏ وجواب «لما» محذوف أي فعلوا ذلك بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله وأدلوه، فلما وصل إلى نصف البئر ألقوه ليموت فسقط في الماء ثم آوى إلى صخرة فنادوه فأجابهم- بظنّ رحمتهم- فأرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا ‏{‏وَأَوْحَيْنآ إِلَيْهِ‏}‏ في الجب وحي حقيقة وله سبع عشرة سنة أو دونها تطمينا لقلبه ‏{‏لَتُنَبِّئَنَّهُمْ‏}‏ بعد اليوم ‏{‏بِأَمْرِهِمْ‏}‏ بصنيعهم ‏{‏هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ‏}‏ بك حال الإنباء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَجَآءوا أَبَاهُمْ عِشآءً‏}‏ وقت المساء ‏{‏يَبْكُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ يأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ‏}‏ نرمي ‏{‏وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ متاعنا‏}‏ ثيابنا ‏{‏فَأَكَلَهُ الذئب وَمآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ‏}‏ بمصدّق ‏{‏لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين‏}‏ عندك لاتهمتنا في هذه القصة لمحبة يوسف، فكيف وأنت تسيء الظن بنا‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ‏}‏ محله نصب على الظرفية أي فوقه ‏{‏بِدَمٍ كَذِبٍ‏}‏ أي ذي كذب بأن ذبحوا ‏(‏سَخْلَة‏)‏ ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه ‏{‏قَالَ‏}‏ يعقوب لما رآه صحيحاً وعلم كذبهم ‏{‏بَلْ سَوَّلَتْ‏}‏ زينت ‏{‏لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا‏}‏ ففعلتموه به ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ‏}‏ لا جزع فيه، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري ‏{‏والله المستعان‏}‏ المطلوب منه العون ‏{‏على مَا تَصِفُونَ‏}‏ تذكرون من أمر يوسف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏وَجآءَتْ سَيَّارَةٌ‏}‏ مسافرون من ‏(‏مدين‏)‏ إلى مصر فنزلوا قريباً من جب يوسف ‏{‏فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ‏}‏ الذي يرد الماء ليستقي منه ‏{‏فأدلى‏}‏ أرسل ‏{‏دَلْوَهُ‏}‏ في البئر فتعلق بها يوسف، فأخرجه فلما رآه ‏{‏قَالَ يابشرى‏}‏ وفي قراءة «بشراي» ونداؤها مجاز أي احضري فهذا وقتك ‏{‏هذا غُلاَمٌ‏}‏ فعلم به إخوته فأتوه ‏{‏وَأَسَرُّوهُ‏}‏ أي أخفوا أمره جاعليه ‏{‏بضاعة‏}‏ بأن قالوا هذا عبدنا أَبَقَ، وسكت يوسف خوفاً أن يقتلوه ‏{‏والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَشَرَوْهُ‏}‏ باعوه منهم ‏{‏بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏}‏ ناقص ‏{‏دراهم مَعْدُودَةٍ‏}‏ عشرين أو اثنين وعشرين ‏{‏وَكَانُواْ‏}‏ أي إخوته ‏{‏فِيهِ مِنَ الزاهدين‏}‏ فجاءت به السيارة إلى مصر، فباعه الذي اشتراه بعشرين ديناراً وزوجي نعل وثوبين‏.‏